الإثنين 28 أبريل 2025 09:48 مـ 29 شوال 1446 هـ
×

يوم التأسيس.. إرث القيادة والقيم في الدولة السعودية الأولى

السبت 22 فبراير 2025 02:14 مـ 23 شعبان 1446 هـ
الدرعية عاصمة الدولة السعودية الاولى
الدرعية عاصمة الدولة السعودية الاولى

منذ بزوغ فجر الدولة السعودية الأولى، أرسى الأئمة قواعد قيادة راسخة، ساهمت في تشكيل هوية ثقافية ووطنية متينة، لا تزال حاضرة في وجدان السعوديين حتى يومنا هذا.

ولم يكن تأثيرهم مقتصرًا على التوجيه الديني فحسب، بل امتد إلى بناء منظومة متكاملة من القيم والمبادئ، أسهمت في استقرار المجتمع وترسيخ مكانة المملكة ككيان موحد ومتماسك.

التلاحم المجتمعي والقيادة الحكيمة

كانت العلاقة الوثيقة بين الأئمة والمجتمع السعودي محورًا أساسيًا لبناء هذه الهوية، فقد حرص ثالث أئمة الدولة السعودية الأولى، الإمام سعود بن عبد العزيز، كما أشار المؤرخ ابن بشر، على الاستماع إلى شكاوى الناس وتلبية احتياجاتهم، ما عكس التلاحم المجتمعي والقيادة الحكيمة.

وكان الناس يخاطبونه ببساطة وتواضع، مستخدمين ألقابًا كـ"يا سعود" أو "يا أبو عبدالله"، وكان الإمام بدوره ينادي كل فرد باسمه، ما يعكس عمق التواصل بين الحاكم وشعبه.

مجالس العلم منارات للمعرفة

من ناحية أخرى، أصبحت مجالس العلم التي عقدها الأئمة في الدرعية منارات للمعرفة؛ حيث أسهمت هذه المجالس المفتوحة للجميع في نشر العلوم وترسيخ قيم التعليم بصفتها جزءًا أساسيًا من النهضة الثقافية والاجتماعية.

وكانت مجالس العلم تعقد ثلاث مرات يوميًا في السوق والمساجد؛ ما جعل التعليم والثقافة متاحين للجميع، وقد كان للأئمة السعوديين دور بارز في دعم العلم والتعليم؛ إذ حرصوا على مجالس العلم اليومية في شتى الأوقات، وجعلوا منها أساسًا لتقوية المجتمع فكريًا وثقافيًا.

دعم العلماء وطلبة العلم

بالإضافة إلى ذلك، اهتم الأئمة بدعم العلماء وطلبة العلم بكل السبل، سواء بالدعم المالي أو توفير بيئة مناسبة للتعلم، وشهدت الدرعية نهضة علمية جعلتها مقصدًا للراغبين في التعلم من داخل الجزيرة العربية وخارجها؛ حيث كان الإمام عبد العزيز بن محمد يرسل المال لطلبة العلم وحملة القرآن والمعلمين والمؤذنين في مختلف المناطق.

ومن الضروري الإشارة إلى أن الدرعية كانت مركزًا حيويًا للتجارة في الجزيرة العربية، وشكلت مركزًا اقتصاديًا مزدهرًا بفضل السياسات الحكيمة للأئمة، التي ساعدت على تعزيز النشاط التجاري وتبادل البضائع مع المناطق المحيطة.

وكذلك استتباب الأمن وانتشار العدل في الدولة السعودية الأولى، أسهما أيضًا في تعزيز حركة التجارة؛ حيث كان المسافرون يسيرون في الطرق بأمان تام حاملين أموالهم دون خوف.

دعم المحتاجين وكرم السعوديين

وأثبت أئمة الدولة السعودية حرصهم الكبير على دعم المحتاجين من المواطنين؛ فقد كانوا كثيري العطاء والصدقات، خاصة خلال شهر رمضان، وكانوا يوفرون الطعام والكسوة للفقراء، ويهتمون بأئمة المساجد والمؤذنين ومعلمي القرآن.

وفي العشر الأواخر من رمضان، كانوا يقدمون عباءات وهدايا للأطفال دعمًا وتشجيعًا لهم على التعليم، وقد تحدث الرحالة السويسري جون لويس بوركهارت عن الدولة السعودية الأولى بإعجاب بالغ، مشيرًا إلى قرب الإمام سعود بن عبد العزيز من شعبه، وتواضعه في التعامل معهم؛ حيث كان يفتح مجالسه لاستقبال الناس صباحًا ومساءً، ويجلس معهم دون تكلف، ويستمع إلى شكواهم وحاجاتهم.

كما أشار الرحالة الإيطالي جيوفاني فيناتي إلى كرم السعوديين وأخلاقهم النبيلة، وذكر كيف أنهم قدموا له العون والضيافة في رحلته، ما يعكس أصالة القيم الاجتماعية التي غرسها الأئمة في نفوس المجتمع.

رمز للفخر والاعتزاز

يأتي يوم التأسيس ليجسد هذه القيم الراسخة، مستذكرًا المسيرة المباركة التي بدأت مع الدولة السعودية الأولى؛ حيث أصبح هذا اليوم رمزًا للفخر والاعتزاز بجذورنا التاريخية وركيزة لمستقبلنا المشرق، ومناسبة وطنية تجمع السعوديين على مبادئ الوحدة والانتماء، وتعيد إحياء التراث الذي صنعه الأئمة ليبقى مصدر إلهام للأجيال القادمة.

بهذا الإرث العريق، تواصل المملكة مسيرتها بثبات نحو المستقبل، راسخة في هويتها الوطنية، ومتمسكة برؤية طموحة تعكس أصالة الماضي وتطلعات الغد.